تعجّب الخلقُ من دمعي ومن ألمي=وما دروا أن حبّي صغتُه بِدَمي
أستغفر الله ما ليلى بفاتنتي=ولا سعادٌ ولا الجيران في أضَمِ
لكنّ قلبي بنار الشّوق مضطرمٌ=اُفٍّ لقلب جَمُودٍ غير مُضطَرمِ
منحتُ حبِّيَ خير الناس قاطبةً=برغم من أنفه لازال في الرّغمِ
يكفيك عن كلّ مدحٍ مدحُ خالقه=واقرأ بربِّك مبدا سورة القلمِ
شَهْمٌ تُشيدُ به الدّنيا برمِّتها=على المنائر من عُرْبٍ ومن عَجَمِ
أحيا بك الله أرواحاً قد اندثرت=في تُربة الوهم بين الكأس والصّنمِ
نفضتَ عنها غبار الذُّلِّ فاتّقدتْ=وأبدعتْ وَرَوَتْ ما قُلتَ لِلأمَمِ
رَبَّيتَ جيلاً أبيّاً مؤمناً يقظاً=حَسَوْ شريعتك الغراء في نَهَمِ
محابرٌ وسِجلاَّتٌ وأنديةٌ=وأَحْرفٌ وقوافٍ كُنّ في صَمَمِ
مِنْ نهرك العذب يا خير الورى اغترفوا=انت الامام لاهل الفضل كُلهِّمِ
ينام كسرى على الدِّيباج مُمْتلئاً= كِبراً وطُوِّق بالقينات والخَدمِ
لا همَّ يحمله لا دين يحمُكه=على كئوس الخنا في ليل مُنسجمِ
أما العروبة أشلاءٌ ممزقةٌ=من التسلُّط والأهواء والغَشمِ
فجئت يا منقذ الإنسان من خطرٍ=كالبدر لما يجلِّي حالك الظلمِ
أقبلت بالحق يجتثُّالضلال فلا=يلقى عدوك إلاَّ علقم الندم
أنت الشجاع إذا الأبطال ذاهلةٌ=والهندواني في الأعناق واللُّمَمِ
فكنت أثبتهم قلباً وأوضحهم=درباً وأبعدهم عن ريبة التُّهمِ
ببيتٌ من الطين بالقرآن تعمره=تبّاً لِقصرٍ منيف بات في نَغَمِ
طعامك التمر والخبز والشعير وما= عيناك تعدو إلى اللذات والنعمِ
تبيت والجوع يلقى فيك بغيته=إن بات غيرُك عبد الشحْمِ والتُّخَمِ
لمّا أتتكَ (قم الليل) استجبت لها=والعين تغفو وأما القلب لم ينمِ
تُمسي تناجي الذي أوْلاكَ نعمته=حتى تَغَلْغَلَتِ الأوراُ في القَدَمِ
أزيزُ صدركَ في جوف الظلام سرى=ودمعُ عينيك مثل الهاطل العَمِمِ
الليل تسهره بالوحي تعمره=وشيّبتك بهودِ آية (استقمِ)
تسير وِفْقَ مراد الله في ثقةٍ=ترعاك عينُ إلهٍ حافظٍ حكمِ
فَوّضتَ أمرك لِلدّيان مُصطبراً=بصدق نفسً وعزمٍ غير مُنثلمِ
وَلّى أبوك عن الدنيا ولم تَرَهُ=وأنت مُرتهنٌ لازلتَ في الرّحِمِ
وماتتِ الأمُّ لَمّا أنْ أَنِسْتَ بها=ولم تكن حين وَلّتْ بالغُ الحُلُمِ
ومات جَدُّك من بعد الولوع به=فكنت من بعدهم في ذروة اليتم
فجاء عمُّك حصناً تَسْتكنُّ به=فاختاره الموت والأعداء في الأجمِ
تُرمى وتُؤذى بأصناف العذاب فما= رُوئيت في ثوبِ جَبّارٍ ومُنْتقمِ
حتى على كتفيك الطاهرين رموا= سلا الجزور بكف المشرك القزم
أما خديجةُ من أعطتك بهجتها=وألبستْكَ رداء العطفِ والكرم
غدتْ إلى جَنَّةِ الباري ورحمته=فَأَسْلمتْكَ لِجُرحِ غير مُلتئمِ
وِشُحَّ وجهك. ثُمّ الجيش في أُحدٍ= يعود ما بين مقتولٍ ومنهزمِ
لما رُزقت بإبراهيم وامتلأتْ=به حياتُك بات الأمرُ كالعدمِ
ورُغْمَ تلك الرّزايا والخطوب وما= رأيت من لوعةٍ كُبرى ومن ألمِ
ما كنت تحمل إلاَّ قلب مُحتسبٍ= في عَزْمِ مُتَّقِدِ في وَجهَ مُبتسمِ
بنيتَ بالصّبر مجداً لا يماثله=مجدٌ وغيرك عن نهج الرشاد عَمِ
يا أمَّةً غفلت عن نهجه ومضتْ=تَهيمُ من غير لا هدْي ولا علم
تعيش في ظلمات التِّيهِ دَمّرها=ضَعْفُ الأخوَّةِ والإيمان والهممِ
يوماً مُشَرِّقةً يوما مغرِّبةً= تسعى لنيل دواء من ذوي سَقَمِ
لن تهتدي أمةٌ في غير منهجه=مَهْمَا ارتضت من بديع الرأي والنُّظُمِ
ملحٌ أجاجٌ , سرابٌ خادعٌ , خورٌ,=ليست كمثل فراتٍ سائغٍ طَعِمِ
إنْ أقفرتْ بَلْدةٌ من نور سُنّته=فَطائِرُ السعد لَمْ يَهْوِ ولم يَحُمِ
غنى فؤادي وذابتْ أحرفي خجلاً=مِمَّنْ تألّق في تبجيله كَلمي
يا ليتني كُنْتُ فرداً من صحابته=أو خادماً عنده من أصغر الخدمِ
تجودُ بالدمع عيني حين أذكره= أما الفؤاد فلِلحوض العظيم ظَمِ
ياربِّ لا تَحْرِمنِّيْ من شفاعته=في موقفً مُفزعً بالهول مُتَّسِمِ
ما أعذب الشعر في أجواء شيرته=أكرم بِمُبْتَدَإ منه ومُخْتَتَمِ
أيدعتُ مِيميةً بالحبِّ شاهدةً=أشدو بها مِنْ جوارِ البيت والحرمِ
تُغْنِيك رائعتي عن كل رائعةٍ=ممَّا سيأتي ومما قيل في القِدَمِ
لأنها من سليل البيتِ أنشدها =لجَدِّه في بديع الصوتِ والنَّغَمِ
إن كان غيري له من حُبكم نسبٌ=فَلِيء أنا نسبُ الإيمان والرَّحِمِ
إن حلّ في القلب أعلى منك منزلةً= في الحبِّ حاشا إلهي بارئ النَّسَمِ
فَمزَّق الله شرياني وأوردتي =ولا مشتْ بي إلى ما أشتهي قَدَمِي